أن تعود لتفتح أبوابا طال عنها الغياب..
لم يكن الباب محكم الغلق منذ البدء,كل ما كان
يحتاجه دفعة صغيرة,تمحو عنه خصوصيته،وتسمح بدخول بعض النور والهواء.
يصدر الباب كركرة بسيطة،يستقبلك مرحبا،
لتنتقل من توك إلي اللامكان واللازمان!
لم يعد المكان مألوفا كما اعتدته,ولكنه أيضا
ليس بغريب.
يتوقف الزمن..ربما لإرتباكه: أي توقيت يتبعه
الآن.
تتدافع نحوك ذكريات قديمة, كأنها خفافيش
سوداء ألفت الظلام واتخذت منه ملاذ.
أقصوصات صغيرة من أوراق باتت مهترئة, مسطورة عليها كلمات تبدو
عند حملها أثقل من المعتاد، أهو تأثير القدم، بضع سنين، أم تأثير تجاهل تتلقاه؟
كتب اتمت مهمتها ولم تعد تملك ما تقدمه لك ,
تقبع في ضجر، فمازال علي قائمة مهامها آخرين. وكعادة الكتب ها هي ساكنة في مكانها
تنتظر في صبر أن تحررها لتتابع ما قد كلفت به.
أغلفة هدايا كانت زاهية الألوان ,أوراق نقدية
توقف صدورها,تذاكر حافلات عامة ,كروت تهنئة لإنتهاء المرحلة الثانوية بنجاح باهر, والعديد
من الأشياء الصغيرة التي تبدو كيفية وجودها معا في حيز واحد غير قابلة للفهم
والإستيعاب.
...
الأبواب المواربة.. الواقفة علي حياد.
لم
تغلق بالكامل، ولم تفتح بالقدر الكافي لتلاشي الحد الفاصل بين اللحظي وما كان.
تحمل علي عاتقها مهمة تجميل الصورة، بالإبقاء علي ما هو غير مطلوب للحظة قيد الطلب
أو النسيان!
يأخذك أحدها نحو أماكن بالداخل لم تدرك من
قبل وجودها. يضعك وسط الفوضي ويبقي علي مواربته المحيرة. لا تدري كيف بدأ الأمر،
ولكنك تعلم يقينا أن الهروب ليس الخيار الأذكي. أنت الآن تعلم بوجود تلك الفوضي,
ومتي علمت لا تستطيع التظاهر بالجهل أو الإنكار.
بالداخل، تتوقف الأصوات عن الوصول , يخيم صمت
مفزع علي الأجواء فيهرب منك الكلام.
بالداخل , أنت وحيد تماما , لا أحد سواك يري
وجود ذلك المنفذ , وبالطبع ليس مصرح لأحد سواك بالعبور.
تظل عيناك محملقة نحو
النور النافذ من الخارج، ترغب بشدة في العودة إلي هناك , ولكنك لا تستطيع مقاومة ذلك
الغموض الذي يسحبك بخفة داخله. تركن إلي الصمت المطبق, تعتاد عيناك الظلام وتبدأ
في تمييز الأشياء. تتلاشي الرغبة في العودة شيئا فشئ , بات القبح القابع في
الجدران أقل إخافة الآن.
تعتاد وجوده وتحادثه صمتا وصراخا، تتفهم خوفه هو ذاته وعويله المكتوم. بات تمدده كابوسا مخيفا , يحلم معه برغبة حادة في الاوجود، التحرر والفناء.
....
ربما ما يبدو لأول وهلة بابًا مغلقا ما هو إلا معبر إلي أفق جديد.
ربما يحملك ذلك الإطار الصدأ الذي آلمت عيناك
من التحديق فيه بريبة إلي طريق واسع وإمكانية لإعادة إكتشاف الحركة. يمتد الطريق
إلي ما يبدو لا نهاية.
تعود الألوان بالتدريج ، يبدو للهواء وقع ،
وللجبال ثبات يبعث علي الأمان.
يمر الوقت بروية فوق بساط الصبر.
هنا حيث ينتمي
الغرباء, يتخلى الوقت عن منطقه فتبدو الساعات شهورا قطعتها من أجل الوصول إلي
مبتغاك.
أفق من أزرق ولد حديثا, تمت إضافته لحظيا إلي
طيف الألوان. ثمة ما يدعو للحيرة في هذا اللون, يحتضنك كحبيب طالت غيبته،
يهدهد
خوفك وجنونك الصامت ولا يدعك تفلت من بين ذراعيه حتي يهدأ نحيبك المكتوم.
في الأزرق وطن رحب تتلاشى منه الحدود. وطن
يدعوك إلي التحليق بروحك أعلي, والغوص في بحريّ الممكن واللامعقول.
في الأزرق أمل بخلاص محتمل من ملاحقة الأبواب
!
..