الثلاثاء، 13 أكتوبر 2015

صديقي الله*

صديقي الله،
تقربا وحبا ،وليس طيشا او إساءة أدب.
اليوم تذكرت قصته ،حينما كان بنّاءا فتيا ،يحمل الأحجار ويخلط المكونات الخرسانية بنسب معينة حتي يحصل علي الجودة المطلوبة التي يأمل ان تتحمل خطوب الدهر و تتحمل دورها في حماية من يلجأ إليها بصلابة.
استمر في تشيد الجدران والأسقف ،حتي مل من صنع الأحجبة،وقرر الفرار إلي براح السماء.
دفع كل مدخراته في محاولة اقتناء قطعة من الأرض وتعهد رعايتها،- في الواقع هي من كانت ترعاه-.
تعلم كيف ينتقي البذور الجيدة وينثرها ،ثم يقوم بسقايتها والاعتناء بها حتي يشتد عودها ،فيمطرها بمزيد من العناية حتي تتفتح زهورها وتتحول شيئا فشئ إلي ثمار. ثم يأتي الحصاد مكتنفا رداء من شكر وامتنان،عميق ،صامت وجزيل.
كنت اصحبه كثيرا ،اراقب احاديثه الصامته مع السماء وجدول الماء الصغير ،بل ربما احاديثه الباسمة مع سرب من النمل يجد في عمله بتفان وإخلاص.
كنت كثيرة الأسئلة ،ولكنني لم اقترب من تلك المنطقة من قبل ،كان يحكي لي الكثير عنك ،ولكني لم اسئله عن الطريقة التي تتواصلون بها.
كنت اعشق تأمله وهو مغمض العينين ،يمرر اصابعه علي حبات مسبحته بتفانٍ وهدوء،يتنفس وكأنه يحمل الأفق كله إلي داخله.
ربما علي ان اكتشف طريقتي الخاصة ،ولكن للآن ساكتفي بالكلمات وسطا للحكي.
صديقي الله ،
اشعر بالحزن والألم ،ألما يقوي يوما فيوم ليمسك بتلابيب قلبي ويعتصرها بقسوة،يعذب روحي فتصرخ باكية.
اشعر انني اسيرة لعدو مجهول الهوية ،يحبس روحي في قفص علي بوابته لافتة تشير إلي شوارع الحضارة والحرية!
لا اريد ان امضي يومي في محاولة تجاهل تلك العيون والعقول التي تراني شيئا ملعونا وتتمني محوه من الوجود او السيطرة عليه كملكية خاصة.
بت اكره اللغة التي يتحدثونها المليئة بكلمات القمع،،،   والرفض والتنكيل.
بت اكره "لا" ذلك الرفض الذي لا يهم ان يكون له مبررا ،ما دمت تحيا في كنفهم فعليهم السيطرة عليك واشباع رغبتهم في الاستبداد.وعندما يسمحوا باعطاء تفسير فإنهم يربطون الرفض بالحب الذي يدفعهم إلي الخوف عليك وحمايتك ،حمايتك ربما من استكشاف عالم اجمل مما اعتادوا عليه !
اؤمن انك خلقتنا علي الحب ،فلا اريد ان اكره ،احاول جاهدة ان لا اكره ،ولكن بات الأمر في غاية الصعوبة.
اريد ان لا اكرهني ،اكره ذلك الجسد الذي عليه ان يتخفي في الاسود هربا من هؤلاء الحمقي الذين تستفزهم الألوان.
أريد المشي ليلا لأتخلص من حزن وضعف ووهن ،اريد ان امشي في صمت يليق بتوديع يوم ومصاحبته إلي مثواه الأخير في امتنان.
أريد ان اذهب الي عملي بدراجة هوائية دون ان اقابل بتعليقات سخيفة ونظرات مستنكرة.وان ابتاع الورود لأعطيها لغرباء يخفون احزانهم وراء نظرات شاردة.
لا اريد ان اخرج كل مرة استقل فيها عربة مترو -السيدات- مختنقة وانا اري ورود تذبل قهرا وظلما.
لا اريد ان اتخفي وراء الاستعارات والتورية ،حتي لا يفسرون كلامي حسب اهوائهم فيقومون باطلاق احكامهم المشددة.
اريد ان اتجول في اراض بعيدة وغريبة ،اتسلق الجبال وابقي طوال طريقة عودتي صامتة امتنانا وعرفانا ،وايمانا بصنيعك وقدرتك.
اريد التقاط الصور للصغار،والكبار واخبرهم كم هم جميلون.
اريد ان اذهب الي البحر ،وان كنت اخشاه ،ولا كيف سوف تنتهي خشيتي تلك!
اتعلم انه من اكثر الاشياء التي تدعو الي الحزن والبكاء ،ان ذلك العجوز الذي كان قلبه في اتساع البحر ،فارق الحياة دون أن يري البحر مرة!
صديقي الله،
فقط اريد ان تتوقف الاسباب التي تدفعني إلي الكره عن التضخم ،باتت مقاومتي واهية.
اريد عالما اقل قبحا واكثر سلاما..
اريد عالما يعلمني ويدفعني إلي الحب.
------
العنوان مقتبس من كتاب صغير لزياد رحباني يحمل نفس الاسم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

رأيك ؟!
:)

رأيك مهم وربنا ..ايه رأيك ؟!