الجمعة، 11 أبريل 2014

فوق أرجوحة الحنين

من حين لأخر , تعطيك الحياة قليل من البهجة المجانية الغير متوقعة , كأن تجد نفسك محاطا بالأخضر البديع , فوق أرجوحة بدائية الصنع ,يغطيك رداءا من أزرق داكن مرصع بنجوم متلالئة وقمر وسيم .
تبدأ الرحلة
سرعة خفيفة , نظرك يخترق الأفق الرحيب أمامك ,ليعود بك الزمن فى اتجاه عكسى , فترى أمامك تلك الطفلة الصغيرة ترسم اشكالا على الرمال , تقص لنفسها حكايات وليدة اللحظة , بجوار عجوز حكيم يمسك بمسبحته فى خشوع ويتطلع إلي السماء,يدعو بالفلاح والرزق الوفير بعد أن أتم دوره فى زرع البذور ورعايتها .
تترك الطفلة اشكالها وحكاياتها الخيالية وتذهب إلي مجرى المياه القريب , تغترف منه ملء يديها الصغيرتين وتنهل فى سعادة , تنظر إلى الجد العجوز وقد بات يراقبها , فيبتسم لها ويدعوها إليه , فتذهب قفزا , يسألها هل ذكرت اسم الله؟ فتترتبك , يقبل وجنتها بحنان ويخبرها بأنه لا بأس ولكن عليها أن تتذكر فى المرة القادمة.
يحتضنها ويجلسها فوق ساقيه ,تعبث بمسبحته , مقلدة حركة شفتاه,متطلعة إلي السماء وهكذا شبت!

تزداد السرعة قليلا , فتدب الحياة فى البيت الريفى الصغير , يذهب الصغار إلي المدارس , يتعلمون العلوم والحساب واللغات الأجنبية , يحلمون بتحقيق آمال الكبار , لعل تلك الصغيرة تصبح يوما ما طبيبة , أفضل من ذلك الطبيب المهمل الذى كان يستمتع بإجازته المفاجئة تاركا ولدهم الأكبر للموت قربان.

نسيم عليل يأتى محملا بعبير الريحان البديع , اسرع قليلا بعد, يختلف الإيقاع جذريا ليستبدل الجيتار الإليكترونى وآلات الإيقاع دقات البيانو الرقيقة والناى الحزين .تستقبل الصغيرة جنون الشباب مصاحبا بصخب اعاصمةواغرائها ,تاهت ولكن بقيت على جذورها مثبتة بقوة فى الأرض ,قست عليها المدينة كثيرا , دخلت معها معارك دخلت من معظمها أكثر صلابة , حتى تكيفت واعتادت ,ولكنها لم تتخل عن نظراتها نحو السماء!

تخف الأرجوحة من سرعتها تدريجيا , والقلب قد أنهكه التذكر ,لما نعيد عيش ما سبق وقد عشناه من قبل , أليس ذلك بعجيب !

تبعد نظرها عن ذلك الأفق المحمل بالحنين , وتعود إلي حاضرها شاردة , تائهة من جديد , ولكن هذه المرة ليس فى شوارع العاصمة المبهرة , بل داخل أروقة قلبها حديثة الاكتشاف ,والتى تجدف فيها ضد تيار المعتاد .

تصوب نظرها هذه المرة نحو السماء لتداعب أهدابها النجوم , تشرع فى العد وتتوقف عند ثللاثة عشر !
يبدو القمر بديعا فى حلة البدر التى يرتديها , واثقا فى قدرته على أسر القلوب , يلعب معها الغميضة خلف أوراق شجرة العنب العتيقة , والتى طالما آمنت بأن تلك الصورة على خلفية سماء صافية صورة معبرة لما قد تكون عليه الجنة!

تكاد الأرجوحة أن تتوقف عن الحركة ,ويصبح النسيم أبرد قليلا , ترسل إلي القمر رجاءا أخيرا بالعودة بعلاقتهما حيث توقفت, تحتضن أحبال أرجوحتها بقوة ,تحمل ما تستطيع حمله من هواء إلي رئتيها , تغمض عينها على المشهد الأخير وتدفع برأسها إلى الوراء ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

رأيك ؟!
:)

رأيك مهم وربنا ..ايه رأيك ؟!