أيتها المسكينة , ماذا ألم بكِ !
تبدين منهكة جدا,بالطبع أنتِ بحاجة إلي بعض الراحة ,قسط من نوم هنيئ.
ربما أساعدك بعض الشئ إن أخبرتك حكاية ..ليست كحكاياتك الأسطورية التى أغرقت واقعك فحولته إلي خيال قابل للقياس, ولكن تلك التى لن يخبرك إياها الآخرون ,الخائفون,الذين يركنون إلي الهروب بدلا من المواجهة , الذين يرون فى القول والجهر طيش وجنون فيبقون بما يحبسونه داخلهم مثقلون!
دعينى أحدثك قليلا عن الحياة , حتى تكونين عنها معنى يناسبك.
لأخبرك أن الحياة ليست كما يتغنون بها "بميى" أو "وردية" ,أو فى فرنسيتها الساحرة en rose !
ليست فى حلاوة السكر وهشاشة غزل البنات ,ليست فى مرارة العلقم ,وسواد ملوك الظلام.
ليست بتجربة عبثية أو خطأ حسابيا غير مقصود !
بل هي كل شئ ولا شئ . هي كل شئ تمنحينه وجودا ولا شئ خارج ذلك الوجود.هي أنتِ فأنظرى ماذا تصنعين , إلي إي شئ تهبين الحياة!
ذلك الوجود المحيط,الذى علموك أن توليه إهتماما ليس أهلا له, جمع غفير من البشر المحيطين ,هم دائما هكذا عزيزتى ,دائما ما يجدون شيئا يتذمرون من أجله ,لا شئ يعجبهم ,ولا يرون شيئا جميلا .هؤلاء ن تلاحقك نظراتم المستنكرة,الذين يطيلون القول عما لا يعجبهم بشأنك ,هؤلاء فقدوا أنفسهم منذ زمن بعيد, لفظهم داخلهم فانشغلوا بالخارج,متربصين بالآخرين ,دعكِ منهم , فهم فى غاية الضعف ,وإن تملكوا أقل قدر من قوة لأنفقوها على نقائصهم فذلك أولي ,لكل ذي عقل رشيد!
الطريق موجود منذ البدء,ولكن أحدا لم يهتم بتمهيده , أو ربما فعلوا ولكن لم يفكروا فى رسم خريطة مبسطة للوصول!
لا تجزعي فأنتِ تعرفينه بالفطرة ,كل ما هنالك تلك الذاكرة الضعيفة التى تحتاج بعض الفيتامينات والمقويات الطبيعية -ربما عليكِ البدء فى تناولها فمازال العمل شاق-.
كلٌ يحمل بداخله بوصلة مضبوطة من قبل على وجهته,حدس لا يخطأ ,حيث لا تهم كثير إرشادات الآخرين فى تحديد الوجهة , بل لتأخذى من علمهم واستكشافاتهم ما ينسر لكِ ظلام الطريق فيعينك على المسير.هو طريق عليكِ قطعه -وحدك- فلتتحلي بالقوة والشجاعة اللازمة,تجلدي ,وتسلحى باليقين.
هل تفقدتي حالة الطقس؟ أحضرتى أقل ما يمكن من متاع؟!
فلتبدأ الرحلة إذا...
تبدأين محلقة ,تملأك طاقات لا محدودة,يبدو كل شئ ممكن ,تنطق الألوان معلنة عن نفسها , تتآلف الأصوات لتعزف لحنك المفضل والرائحة ترشدك .
تسرعين الخطى , ربما تنوعين بين المشي وبعض من رقص متقافز أنيق.تمرين على الكثير الذي يبهرك لتتحكم الدهشة فى دقات قلبك,يأخذك جمال المشهد فتذوبين ,تمتلأين جمالا , ومن ثم تعودين إلي خطوك السريع!ينتهى ذلك الطريق إلي مرتفع ,صعب بعض الشئ,ولكن طاقتك ماتزال كما هي,ليبدأ الصعود فى خطوات مثابرة ,تدركين جيدا صعوبتها,فتركزين جيدا أين تضعين قدمك,التوازن هو ورقتنا الرابحة فى هذه الأثناء,فلتبقى عليه.
يستقر المكان بعض الشئ ,تجلسين قليلا لإلتقاط الأنفاس,ثم تهمين بإستكشاف الأرجاء.
تعلو بعض الجلبة ,ليظهر آخرون,يتاولون فى الحضور.يفتتح أحدهم حديثا عابرا معكِ حتى تتوقفون جميعا عند أول حانة تصادفون,للتزود بما يلزم من وقود.
يستمر الحديث, ويتخلق من داخل الكلام كلام.يحدث أن تشير بوصلتكم إلي نفس الإتجاه , فتتفقون ضمنيا على متابعة السير معا,فى صحبتكم ربما وجدتم بعض الأنس والسند!
يسير الجمع مدفوعا بطاقات متوافقة’فى حكاياتكم المختلفة كثير من التسلية,’وفى خفة ظل الرفاق الجدد كثير من ضحكات صادقة.
ليعود الطريق إلي تعرجهورعونته المرهقة,يسود الصمت للحفاظ على الجهد ,يغرق كل منكم فى باطنه,يتحاور فى صمت,يري كيف غيره طول السير وبدله!يخلص المرتفع إل مفترق,علمتم بوجوده حتما,الآن تشير بوصلاتكم إلي إتجاهات شتى,يهم الجميع بالذهاب حيث يشير السهم بلا كلمات لا جدوى منها ,ومراسم وداع بلا معنى ,فقد جمعكم منذ البدء تواطئ ما ,ينص على حتمية الفراق,وعهد أخذتموه بعدم تعقيد الأمور أكثر. يحدث أن لا يكون هنالك مخطئ ومصيب ,بل هى تدابير القدر !
هذه المرة تشير بوصلتك إلي إنحدار واعر,وليس هنالك من طريق بديل.
عليك إكمال السير,أشد حرصا, ممزقة طاقتك بين جسد منهك ,وقلب توحشه الوحدة بعدما خبر أنس الصحبة.
"علينا المضى قدما الآن..لا بديل" تهمس إلي قلبك المتمرد
تتقدم خطاك على مهل,محاولة التركيز,الذى تشتته المشاهد القادمة من الأتجاه المعاكس,أناس يتقاتلون ,يأتون بأفعال تفزعك ,وتؤلم عينك رؤيتها.
آه أيتها المسكينة , الآن يتملك الخوف والفزع,وانت وحدك كلية , تلوذين بنفسك تحاولين تلاشى النظر,هذا لن يوقفهم حقا , انت تعلمين ,هيا عليكِ المضى قدما,عليكِ الإبتعاد ,لستِ مهيأة لذلك بعد.
"أفعال الشر التى تسمعين عنها فى الحكايات لابد من وجود مؤديين حقيقيين لها , تلك هى الحقيقة بكل قسوتها ,أدركتِ ذلك أم حاولت التجاهل, ذلك مكون فاعل فى "حبكة" الحياة "
أخيرأ تلمع عيناكِ!
لقد طار سيرك,وأخذ العطش يضرب عظامك بقوة,يسحقها,يبدو منحدرك لانهائي,كم انزلقتى وتجرحّت أطرافك,وأحرقت الشمس وجهك فى غير رحمة,وأصابتك حرارة الجو بالفتور والإكتئاب.لم يعد يهم الطريق الآن على قدر ما يهم البقاء على هامش الحياة؟
هه هو الماء يظهر أخيرا,ذلك البئر فى مجال رؤيتك , نعم عزيزتى , إنه ماء ..ماء , ليس بسراب.ارتشفى علىمهل هنالك المزيد,آه كم طال صومك!
لا لا لا ..ليس الآن ,قليل بعد ,اطلبى من ذلك القلب الصمود,قليل بعد..لاااا
حسنا افعلى ما تشائين,لا بأس ,توقفى , فلتخر قدماك على الأرض عاجزة, ابكى , ابكى القدر الذى تريدين,ليرتج جسدك بأكمله,ابكى حتى يبح صوتك..ابكى
لتعودين بتوقفك إلي حيث البدء, منهكة , مستهلكة , تشعلك حرقة السعى الذى لم يفضِ إلي شئ ,مثقلة بغبار خلفه طول المسير.
ابكى كما تريدين , ليمتد بكائك دهرا , لا يهم ,ابكِ حتى تنالين كفايتك,وتنفذ طاقتك , لتسكتين,فيعم الهدوء شئ فشئ.
يخرج ذلك الصوت الحانى ,متحدثا فى حزم:
"لا بأس , ذلك يكفى , أنتِ بحاجة إلي بعض الراحة الآن ,اذهبي إلي الفراش"
حيث أكون بإنتظارك,لأقص عليك ما تحبينه من حكايا,أو ربما تستمعين إل إقتراحى هذه المرة,لأشدو إليك تهويدة بما استطعت من صوت , أضم ذلك الرأس المجهد بين ذراعى.أضعه حيث يعزف قلب قد خبر ذلك من قبل ,حتى تأمن جفونك وتنام ....
..