كانت قد
عادت إلى البيت ولم ينقشع ظلام تلك الليلة بعد. ليلة امتدت لدهر من الفزع
والترهيب. لم يخطر ببالها- في مسخة تفكيره الأكثر سوداوية- أن يحدث أيا من
ذلك. كان أكبر همها أن تصل متأخرة رغم هرولتها في طرقات المسرح فيبح صوتها
ولا يستجيب.
في
وقت متأخر من المساء أنهت استعداداتها. اختارت ثوبها الأسود المفضل، وعقدت
شعرها إلى الوراء في قوة وثقة. وضعت من عطر تصنعه جدتها لتحمل تاريخ
ضيعتها صغيرة تحت جلدها. ارتدت معطفا قصيرا يناسب هواء بارد لليلة خريفية،
حملت كمانها، وخرجت إلى الطريق.
هناك وسط الأضواء الخافتة والموسيقى القادمة من كل مكان، كان مزيج السحر والألفة.
هنا
تحكي موسيقاها وصوتها ألحانا مسحورة عذبة، ويرتاح جسدها كما يفعل فوق
أريكة بيتها ذات ليلة عطلة تقضيها مع مشروب مفضل وقيلم جديد.
تقترب
الليلة من الانتصاف وتميل الحكاية نحو السكوت عن الكلام المباح. عزفت
لحنها الأقرب وتشارك صوتها وجسدها رقصة أخيرة. أنتهت فقرتها مأفضل ما يكون،
وحان وقت عودتها إلى قطها الأليف.
أحدث الأمر في ثوان معدودة كما تتذكره، أم ذلك هو القدر اليسير الذي استطاع عقلها التعامل معه!
يسقط كمانها أرضا وتدوسه أقدام ثملة. هذا الوجه أقبح من أي فيلم رعب شاهدته.
لا تدري من أين تغمرها تلك القوة .. تتخلص من البراثن الممسكة بها في دفعة واحدة يتوقف خلالها قلبها ويعاود الخفقان كأسرع ما يكون!
كيف
قطعت تلك المسافة عدوا.. فلم تتوقف إلا عند وصولها إلى بداية الشارع تلذي
يقبع فيه بيتها.وقفت تحتضن شجرة مسنة تحت بنايتها وتبثها ما تحمله من خوف
وجزع، لا تعرف أدقائق مرت أم ساعات حتى هدأ إيقاع قلبها الملتاع.
أحتضنت كنانها المكسور وصعدت حتى الطابق الثالث، حيث ينتظرها قط أليف.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
رأيك ؟!
:)