الخميس، 4 يونيو 2015

الله كبير



 عن جدوي كتابة رسائل تعرف حتمية عودتها للمرسل،والرغبة الجامحةللكلمات في التحرر ،وشكك الدائم عما يمكن أن تصنعه من فارق.
الشعور المتزايد بتلاشي ما تملكه من مفردات ولغة ،وبقاء المعاني مجردة ،محيرة ،متحدية.
عن صوتي اﻵخذ في الفتور ،وقلقي الدائم بأنني سوف استيقظ يوما وقد فقدته كلية ، ليعلو من حولي الضجيج ..
عن ذلك الركن القصي الذي طال هجراني له خوفا من اﻷلم ،واﻷلم الذي نجح في أن يجد طريقه إلي بغير محل.
عن الأفكار التي تفرض نفسها،لقوتها واتصالها بالروح ..

وﻷني لا أعرف ماذا يمكن ان افعل قبل أن ينتهي العالم سوي نزف المزيد من الكلمات ،فليس هناك مجال للإستسلام اﻵن.

هل أخبرتك بوعكتي اﻷخيرة ،ذلك اﻷلم الذي ظل يعتصرني ويؤرق ليلى، دون استطاعتي البكاء والصراخ ،لأنه حق حصري للصغار.نعم عزيزي لقد تألمت ،ربما ذلك اﻷلم العضوي لا تقارن شدته بما خبرناه من جرح الروح ولكنه ذكرني بضعفي وقلة حيلتي ووحدتي الشديدة دونك .
في تلك اﻷثناء اشتقت كثيرا إلي صديق يهاتفني ويسألني :كيف حالك؟
نعم ذلك السؤال الذي طالما مللت منه وطالما جادلت في مدي جدوته ،اشتقت ان اقول انني لست بخير وانني اتألم واكره ما اتناول من دواء مر الطعم ، اكره وجع رأسي وما يصيبني من حمي تنشر في جسدي القشعريرة .ورغبتي الشديدة في تناول المثلجات بنكهتي الفانيلا والليمون وعجزي عن ذلك.
تمنيت ان يهاتفني احدهم ويشرع في الكلام بصوت هادئ ، ليزيل وحشة الوحدة وفراش المرض.
اشتقت إلي جدلية :بماذا تشعرين؟
ذلك السؤال الذي يطوف بنا في انحاء الكون بحثا عن ذلك الشئ الذي نحياه اﻵن بقوة ،فنعود دون الاقتراب ونبقي مع التخمين.
لم يدق جرس الهاتف ..وبقيت في انتظار ..

"في الانتظار يصيبني هوس برصد الاحتمالات الكثيرة ..
ربما .."

بقيت في فراشي أطالع الأخبار ،او ما يحمله "الكوكب اﻷزرق " من اخبار .
اختطاف وحبس وإعدام وموت ، من نصيب هؤلاء ، من نشاركهم نفس السماء ، من نشاركهم نفس الدرب ربما ذهابا وإياب .
أصبح الموت ضيفا ثقيلا لا يشتاق إلي وطنه ، ولا يمل البقاء ، يحدج خوفك وزعرك بنظرات لامبالية ،ويترك تساؤلاتك ويكمل تنفيذ مهامه في الجوار ..
يعود الموت ليعود إلي وجع الرأس الناتج عن التفكير في كيفية التعامل معه وما يخلفه من دمار.
عن إنتشال روح تشبست بروحك بكل صلف وقسوة ،فتخرج فجيعتك وألمك في صرخات مكتومة ،وإن حالفك الحظ ربما بعض البكاء .
لم أعد ادري ماذا علي أن افعل ، لا اجد ما يمكن قوله من كلمات ،كل محاولاتي بائسة ،أهرب من المشهد واختفي وراء جدار .لا استطيع تحمل ما يتواري بين الصدور ،ما أن انظر في عيني احدهم حتي أري ما يحاول إخفاءه فأعجز عن التنفس واتسائل عن جدوي الاستمرار!

طالما كان هناك بين المرض والموت ارتباط ،وطالما غذت فترات مرضي أفكار الرحيل ،تفكرت في احتمالية موتي اﻵن طالما أصبح هذا الوقت من العام "موسما" للرحيل .
طلبت من أمي ان تصنع لي قهوة ،رغم اعتراضها فعلت ، و أخذت في احتسائها مع آخر صفحات بقيت منكتاب مليئ بالموت واﻷلم ،عادت اﻷفكار من جديد لأعلنها علي استحياء:
"لا أريد الموت اﻵن ،
ما زالت اقاوم من أجل أن تتحرر الكلمات التي عهد إلي بها ،ما زلت أجاهد كي أكون "كما شاء لي أن أكون "
لا أريد الموت اﻵن..
مازلت ابتغي وصالا ووصول
لا أريد الموت اﻵن "

ولا يجب أن تصير فكرة فتكه بنا من ظلم وجور أمر مسلم به ، يصلح للنقاشات الدائرة حول وجبة من احد اطعمة الوجبات السريعة ،او حين احتساء قهوة الصباح ،
لا يجوز ان نتفكر في وضع نهاية لقصة لم تبدأ بعد .

كنت اقرأ عن الصلاة ،وأخذ الكتاب يغوص في اسرار "الله أكبر" ، ليخلص إلي ذلك :
ربما تكثر همومك ومشاكلك وما تفعله بك الحياة ،جمع ذلك كله ،لا تنفيه ،بل اعطيه حجمه كما تراه ،ثم قارن ذلك كله به ،بفيض اسمه الجامع لﻷسماء والصفات ، اخبرني ماذا تري اﻵن ؟
أليس الله بكبير !
أليس الله بأكبر !

الله أكبر ..

ألقي أحدهم أمامي بدعاء حكيم قديم ،حاولت ترجمته إلي:

"آلهي ،لا تجعلني أجرع الموت بينما لم تزل تنبض في عروقي الحياة "

مادام سره يسري فينا ،فلا تدعوهم يغتصبوا من أرواحنا  الحياة !

هناك تعليقان (2):

  1. تناسب حالتى فربما أكون منحازاً عندما أوصفها بالرائعة، أخرجت ما فى صدرى بكلماتك القاتلة.
    الله أكبر، ولا شئ سوى الإله باقٍ، فلنزدرى الدنيا و نطلب وجهه، فلا قيمة ولا استمرار ولا وجود إلا بدونه، ما سواه زائل، و كما أحب أن يصف مصطفى محمود الإله، ما سواه هو العدم، و هو الوجود كله، و كل شئ دال عليه.
    و هذا ما يبقى بداخلنا الأمل.

    ردحذف
  2. يوسف :)
    اسعدنى مرورك صديقى العزيز

    ردحذف

رأيك ؟!
:)

رأيك مهم وربنا ..ايه رأيك ؟!