استيقظ في العاشرة ،بعد معركة طويلة بين الشمس التي ملئت غرفتي منذ ما يزيد عن الأربع ساعات وجسد متعب وكسول.استيقظ لأري العالم من خلال فجوة مربعة في احدي جدران غرفتي الأربع ،اري من خلالها سماء ترتفع شمسها ،واشجار تتوق لبضع قطرات ما ، والعديد من المباني الاسمنتية الكئيبة ،يقلل من درجة كآبتها قليلا عن شبيتها في المدينة الكبيرة تلك المساحة الخضراء المحيطة.
يراودني تساؤل: هل علي ان اشعر بالامتنان لذلك الذي توصل الي الابنية الخرسانية ام امقته سرا لذلك السجن الزائف الذي خلّفنا فيه!
حدثني عن حفل موسيقي لعازف مفضل ، كنا قد حضرناه سويا ،كانت الأجواء الأجمل دون مبالغة،كان الحضور مهذبا في حضرة الروعة ،كنا مشدوهين بما لا نستطيع فهمه بل فقط الشعور به ، كانت الموسيقي تحمل ارواحنا وتسمو بها ،كنت في تلك الفترة بين معزوفة واخري اتخيل ارواحا منتشية تتراقص في خفة ودعة ، انتهي الحفل لنصمت جميعا ،بعد تصفيق متواصل ،لم يكن هناك كلام يستطيع الارتقاء الي حجم المشهد. اخبرني " الجمال يزيدنا جمالا" عقبت:علينا ان نزيد من جرعته اذا!
"وبكينا يوم غني الآخرون ،ولجأنا إلي السماء..
ولأنّا ضعفاء.. ولأنّا غرباء.. نحن نبكي ونصلي يوم يلهو ويغني الآخرون "
نحن لا ننسي ، بل نهجر ما يسبب لنا الوجع والخذلان فيبدو بعيدا لا علاقة لنا به.نهجره ونمضي بعيدا بخطوات متثاقلة محديثين جلبة مفتعلة كي تطغي علي نداءاته المتكررة.ولكننا دوما نعرف طريق الرجوع ،نرجع للزج بحزن اخر مع البقية ،ونلتمس طريق الهجران من جديد.
اليوم علي صوت النجيب ،حيث هدأت الضجة ،ولكن القلب منهك بما يكفي لنزف مزيدا من الدم و ذرف مزيدا من الدموع.
"اذا استطاعت عيناك التحدث،تري ماذا تقول!"
صغيرة ،تقبع في قلعة تقع علي اشراف العالم كما اخبروها ،لا صلة لها بالحياة ،ولا حتي فجوة مربعة في جدار ، تقتات علي الاصوات الواهنة القادمة من خارج الاسوار ،وعلي حكايات عجوز طيب ،اهداها يوما قلم ودفتر واخبرها ان تدون ما يجول في الخيال. حكي لها يوما عن النجوم ،وصفها بما يستطيعه مت كلمات ، لم تفهم كيف تبدو نقط مضيئة تزين السماء ، وهي التي لم تري الشمس يوما.
اخذ قطعة من قماش الستائر السوداء ،اللون الوحيد المصرح به في ذلك المحبس ، ونثر فوقها بعض من سكر مطحون ورفعها عاليا ،" هكذا تبدو النجوم " قالها. فاخدت الصغيرة تحدق فيها طوال اليوم ،تحاول ان ترسمها في الدفتر .لم تخيره يوما ان "رؤية سماء مرصعة بالنجوم كان حلمها الجديد الذي بات محركا لها لتنال الخلاص من هذه الجدران. لم يخبرها يوما ان عينيها كانت المكان الاوسع الذي رأي فيه نجوم مشعة!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
رأيك ؟!
:)