ما زالت ترى فى الإستيقاظ معجزة,حنين إلي الصحوة الأولي,اعادة اكتشاف يومية لمعنى الاشياء!
تشعر بالإيقاع يعود لأطرافها شيئا فشئ ,لكنها تبقى جفونها مرخية لبعض الوقت ,محاولة بائسة فى التمسك ببقايا حلم عابر.
انه اكثر يوم تستيقظ ممتلئة بهذا الشعور الذى بقى رفيق دربها مؤخرا,,اللاانتماء !
تشعر بان كل ذرة فيها تتمنى يائسة الوجود فى غير مكان!
تتحايل على ثقل الواقع ببعض الموسيقى,تضع سماعات اذنيها وتترك روحها للموسيقى فتحملها فوق بساط سحرى إلى أرض الأحلام !
.....
مع الخيوط الاولي للفجر تستيقظ نشيطة .تنهض في عجالة ,تستعد وترتدي ملابس مناسبة ليوم مائل للبرودة وتذهب لقطف بعض الزهور قبل ان يهجرها ندي الصباح!
مازالت قاعدة جدها الذهبية تلازمها "لا تقطف زهرة الا اذا وثقت ان من تهديها له سيقدر انك قد ضحيت بحياتها من اجل إسعاده!"
تنزل الي الطابق السفلي,تعدو فوق درجات السلم الخشبية,فتسمع صوت جدتها يتمتم بالأدعية فى المطبخ ,تصيح بتحية الصباح وتدلف إلي الحديقة فى عجلة !
تتحرك شفتاها بصلاة قصيرة حفزها بهاء المنظر,ثم ترتدى قفازات اليد وتشرع فى إختيار الزهور وقطفها في رقة بالغة وإمتنان متبادل ,تنتهى اخيرا وتنظر الى الصحبة بديعة الألوان برضا واعجاب ,تحمهلها بكل ما اوتت من حنان وتعود إلي داخل المنزل.
تجد جدها يعد المائدة,ينتبه إليها فيحيها بتلك الإبتسامة الساحرة ,تطبع على جبينه قبلة وتهديه أبهى زهورها,وتمضى لتفعل المثل مع جدتها وتساعدها فى إعداد طعام الافطار .
يجلس ثلاثتهم فى تناغم بديع,يرتشفون القهوة , المصاحبة بلقيمات صغيرة من طعام شهى ,ليدور فى هذا الصمت,اعظم حوار في معنى الحب!
مع إشراقة الشمس الأولي تكون قد انتهت من إعداد جرائدها الجاهزة للتوزيع,هذا إن صح أن نطلق على تلك الوريقات القليلة جريدة !
جريدة البلدة التى تشرف مع بعض الأصدقاء على تحريرها وطباعتها,تحمل حكايا الأجداد البطولية,ووصفات الجدات لأشهى الأكلات,قصص من تاليف الصغار الذين يلعبون يوميا فى الساحة الكبيرة ,وأحلام الشباب,رفاقها, من أجل عالم أجمل ,جدول الترفيه اليومى وأحداث الشهر الهامة , وباب للاقتراحات.
بعد أن أرفقت بكل جريدة زهرة منتقاة خصيصا,حملتهم إلي دراجتها الهوائية , أخذت شهيقا ملء الافق امامها محمل بشذي الياسمين ,استشعرت الياسمين يجري فى كل عروقها, وعادت لتطلقه بامتنان وتبدأ رحلتها فى صنع البهجة المشتركة!
تمر بداية بصديقها , العجوز بائع الخبز,تعطيه جريدته وزهرته البيضاء المفضلة,فلا يتركها حتى تتذوق فطيرة الكرز الطازجة التى هم بإخراجها من الفرن.تأكل القليل منها فى نهم , تثنى على موهبته العظيمة,وفطيرته المشبعة بالحب وتمضى لاستكمال رحلتها,تأخذ الطريق الموازى للغابة الصغيرة ,تلك الاشجار التى اخبرها جدها مرارا عن أسمائها ,لكنها صعبة التذكر!
تلقى بالجرائد والورود على العتبات الناعسة , يصاددفها من حين لأخر بعض من استيقظوا للتو , فتبادلهم الأمانى السعيدة ليوم جديد , مُجمعة اكبر قدر من البسمات الأولي !
بقى القليل لإيصاله بعد , عليها ان تعبر النهر لتصل إلي الجهة الأخرى,تترجل عن دراجتها وتمشى بها فوق الجسر الخشبى الرزين, ذلك الذى طالما تقافزت فوقه مع الأصدقاء منذ عهد ليس ببعيد!
تمر أمام كرمة العجوز الصامت,وعنبه الأخضر والأصفر بالغ الحسن,لم تخافه يوما كباقى الصغار,بل كانت تحترم صمته,والحزن الساكن فى عينه دهرا,والوحدة التى كانت تنهش فى ملامحه وبين ضلوعه, طالما راقبته من خارج سور كرمته, وآلته الصغيرة, التى تشبه ساق بعض النباتات , والتى أخبرها جدها يوما عن اسمها "ناي" وذلك الصوت البديع الذي يخرج عندما ينفخ العجوز فيها الهواء!
والناي الذي صار"نأي" بعدما شبت وباتت تعشق التلاعب بمفرادات اللغة , ذلك العجوز الذي نئ بنفسه عن الجميع ,,ونأي موسيقى الناي وبعدها , وكأنها قادمة من غير مكان , من وطن أول ضيعناه, وأصبح صوت الناي يعبر عن ندمنا بالنحيبكلما نفخ فيه العجوز بعضا من روحه!
كانت جريدة العجوز الأخيرة , تركتها ببابه , ورحلت.
تشعر الآن بنشوي الإنجاز, انتهت من اولى مهامها لهذا اليوم,’عليها الآن ان تذهب إلي الرفاق فى مقر الجريدة , البيت الخشبى الذي شارك فى بنائه الجميع , عليهم ان يكملوه ما بدأوه فى خطتهم من أجل تغيير العالم .
ربما تكافئ نفسها وتقف عند النهر قليلا , مستمعة إلي صوت الماء الجاري فوق الصخور مختلفة الألوان.وتمر علي بائع الفاكهة الوسيم لتحمل إلي الرفاق بعض الثمار الطازجة,من أجل الملاحم المحتملة لهذا اليوم.
تنتهى المهام فى بداية المساء كما جاء فى خطتها,ليس هناك حفل موسيقى هذه الليلة فتعود إلي البيت.
جدتها منشغلة بصنع شئ بالغ التعقيد كالمعتاد .تتركها وتصعد الدرج وهناك وجدته مفترش السطح متطلعا إلي السماء فى نشوي.
اقتربت منه وتوسدت ذراعه وشاركته المشاهدة,تكسر الصمت الأثيري
جدى,ماذا يوجد خلف الغابة الكبيرة؟!
يعتدل جالسا وقد كست ملامحه غصة ,,هناك عالم تجمدت فيه الحياة رغم سرعته الظاهرة , تنسحب الروح من الواح الخشب, ويتمرد, فيستبدلونه بخرسانات بكماء, ربما يوجد شجر وزهور ولكنها مفتعلة بائسة.
هناك تفقد الألوان زهوتها,وتفقد الزهور رحيقها,فتفقد العين ضالتها,ويخفت فى القلب الدبيب.
إياك والتطلع نحوه حبيبتى , لا أريد أن أراك تذبلين.!
أؤمئت بابتسامة موافقة. وعادت تعد النجوم
بات يرمقها بابتسامة مشفقة, يعلم أنها ثابتة علي خوض التجربة,ليقف خوفه مكتوف الأيدى أمام طموحها اللامحدود.
كان لابد لها أن تجتاز الغابة الكبيرة لتفهم, وكان لابد أن تخسر لتدرك قيمة الذي -يوم ما- امتلكت دون أن تمتلك !
.......
انتهت الموسيقى الهادرة فى سماعات الاذن , وانتهى معها التحليق ,عادت لترفع جفونها ببطء عن منظر السماء المرصعة بالنجوم ,متمسكة بما يتردد فى أذنيها بقوة ,جعلتها تمسك بجوالها لتوثقه كتابةً خلال الأزرق الأليف:
"أعطنى الناي وغنى, وأنسى داءا ودواء , إنما الناس سطور , كتبت ...لكن ..بمااااااء ....."
تشعر بالإيقاع يعود لأطرافها شيئا فشئ ,لكنها تبقى جفونها مرخية لبعض الوقت ,محاولة بائسة فى التمسك ببقايا حلم عابر.
انه اكثر يوم تستيقظ ممتلئة بهذا الشعور الذى بقى رفيق دربها مؤخرا,,اللاانتماء !
تشعر بان كل ذرة فيها تتمنى يائسة الوجود فى غير مكان!
تتحايل على ثقل الواقع ببعض الموسيقى,تضع سماعات اذنيها وتترك روحها للموسيقى فتحملها فوق بساط سحرى إلى أرض الأحلام !
.....
مع الخيوط الاولي للفجر تستيقظ نشيطة .تنهض في عجالة ,تستعد وترتدي ملابس مناسبة ليوم مائل للبرودة وتذهب لقطف بعض الزهور قبل ان يهجرها ندي الصباح!
مازالت قاعدة جدها الذهبية تلازمها "لا تقطف زهرة الا اذا وثقت ان من تهديها له سيقدر انك قد ضحيت بحياتها من اجل إسعاده!"
تنزل الي الطابق السفلي,تعدو فوق درجات السلم الخشبية,فتسمع صوت جدتها يتمتم بالأدعية فى المطبخ ,تصيح بتحية الصباح وتدلف إلي الحديقة فى عجلة !
تتحرك شفتاها بصلاة قصيرة حفزها بهاء المنظر,ثم ترتدى قفازات اليد وتشرع فى إختيار الزهور وقطفها في رقة بالغة وإمتنان متبادل ,تنتهى اخيرا وتنظر الى الصحبة بديعة الألوان برضا واعجاب ,تحمهلها بكل ما اوتت من حنان وتعود إلي داخل المنزل.
تجد جدها يعد المائدة,ينتبه إليها فيحيها بتلك الإبتسامة الساحرة ,تطبع على جبينه قبلة وتهديه أبهى زهورها,وتمضى لتفعل المثل مع جدتها وتساعدها فى إعداد طعام الافطار .
يجلس ثلاثتهم فى تناغم بديع,يرتشفون القهوة , المصاحبة بلقيمات صغيرة من طعام شهى ,ليدور فى هذا الصمت,اعظم حوار في معنى الحب!
مع إشراقة الشمس الأولي تكون قد انتهت من إعداد جرائدها الجاهزة للتوزيع,هذا إن صح أن نطلق على تلك الوريقات القليلة جريدة !
جريدة البلدة التى تشرف مع بعض الأصدقاء على تحريرها وطباعتها,تحمل حكايا الأجداد البطولية,ووصفات الجدات لأشهى الأكلات,قصص من تاليف الصغار الذين يلعبون يوميا فى الساحة الكبيرة ,وأحلام الشباب,رفاقها, من أجل عالم أجمل ,جدول الترفيه اليومى وأحداث الشهر الهامة , وباب للاقتراحات.
بعد أن أرفقت بكل جريدة زهرة منتقاة خصيصا,حملتهم إلي دراجتها الهوائية , أخذت شهيقا ملء الافق امامها محمل بشذي الياسمين ,استشعرت الياسمين يجري فى كل عروقها, وعادت لتطلقه بامتنان وتبدأ رحلتها فى صنع البهجة المشتركة!
تمر بداية بصديقها , العجوز بائع الخبز,تعطيه جريدته وزهرته البيضاء المفضلة,فلا يتركها حتى تتذوق فطيرة الكرز الطازجة التى هم بإخراجها من الفرن.تأكل القليل منها فى نهم , تثنى على موهبته العظيمة,وفطيرته المشبعة بالحب وتمضى لاستكمال رحلتها,تأخذ الطريق الموازى للغابة الصغيرة ,تلك الاشجار التى اخبرها جدها مرارا عن أسمائها ,لكنها صعبة التذكر!
تلقى بالجرائد والورود على العتبات الناعسة , يصاددفها من حين لأخر بعض من استيقظوا للتو , فتبادلهم الأمانى السعيدة ليوم جديد , مُجمعة اكبر قدر من البسمات الأولي !
بقى القليل لإيصاله بعد , عليها ان تعبر النهر لتصل إلي الجهة الأخرى,تترجل عن دراجتها وتمشى بها فوق الجسر الخشبى الرزين, ذلك الذى طالما تقافزت فوقه مع الأصدقاء منذ عهد ليس ببعيد!
تمر أمام كرمة العجوز الصامت,وعنبه الأخضر والأصفر بالغ الحسن,لم تخافه يوما كباقى الصغار,بل كانت تحترم صمته,والحزن الساكن فى عينه دهرا,والوحدة التى كانت تنهش فى ملامحه وبين ضلوعه, طالما راقبته من خارج سور كرمته, وآلته الصغيرة, التى تشبه ساق بعض النباتات , والتى أخبرها جدها يوما عن اسمها "ناي" وذلك الصوت البديع الذي يخرج عندما ينفخ العجوز فيها الهواء!
والناي الذي صار"نأي" بعدما شبت وباتت تعشق التلاعب بمفرادات اللغة , ذلك العجوز الذي نئ بنفسه عن الجميع ,,ونأي موسيقى الناي وبعدها , وكأنها قادمة من غير مكان , من وطن أول ضيعناه, وأصبح صوت الناي يعبر عن ندمنا بالنحيبكلما نفخ فيه العجوز بعضا من روحه!
كانت جريدة العجوز الأخيرة , تركتها ببابه , ورحلت.
تشعر الآن بنشوي الإنجاز, انتهت من اولى مهامها لهذا اليوم,’عليها الآن ان تذهب إلي الرفاق فى مقر الجريدة , البيت الخشبى الذي شارك فى بنائه الجميع , عليهم ان يكملوه ما بدأوه فى خطتهم من أجل تغيير العالم .
ربما تكافئ نفسها وتقف عند النهر قليلا , مستمعة إلي صوت الماء الجاري فوق الصخور مختلفة الألوان.وتمر علي بائع الفاكهة الوسيم لتحمل إلي الرفاق بعض الثمار الطازجة,من أجل الملاحم المحتملة لهذا اليوم.
تنتهى المهام فى بداية المساء كما جاء فى خطتها,ليس هناك حفل موسيقى هذه الليلة فتعود إلي البيت.
جدتها منشغلة بصنع شئ بالغ التعقيد كالمعتاد .تتركها وتصعد الدرج وهناك وجدته مفترش السطح متطلعا إلي السماء فى نشوي.
اقتربت منه وتوسدت ذراعه وشاركته المشاهدة,تكسر الصمت الأثيري
جدى,ماذا يوجد خلف الغابة الكبيرة؟!
يعتدل جالسا وقد كست ملامحه غصة ,,هناك عالم تجمدت فيه الحياة رغم سرعته الظاهرة , تنسحب الروح من الواح الخشب, ويتمرد, فيستبدلونه بخرسانات بكماء, ربما يوجد شجر وزهور ولكنها مفتعلة بائسة.
هناك تفقد الألوان زهوتها,وتفقد الزهور رحيقها,فتفقد العين ضالتها,ويخفت فى القلب الدبيب.
إياك والتطلع نحوه حبيبتى , لا أريد أن أراك تذبلين.!
أؤمئت بابتسامة موافقة. وعادت تعد النجوم
بات يرمقها بابتسامة مشفقة, يعلم أنها ثابتة علي خوض التجربة,ليقف خوفه مكتوف الأيدى أمام طموحها اللامحدود.
كان لابد لها أن تجتاز الغابة الكبيرة لتفهم, وكان لابد أن تخسر لتدرك قيمة الذي -يوم ما- امتلكت دون أن تمتلك !
.......
انتهت الموسيقى الهادرة فى سماعات الاذن , وانتهى معها التحليق ,عادت لترفع جفونها ببطء عن منظر السماء المرصعة بالنجوم ,متمسكة بما يتردد فى أذنيها بقوة ,جعلتها تمسك بجوالها لتوثقه كتابةً خلال الأزرق الأليف:
"أعطنى الناي وغنى, وأنسى داءا ودواء , إنما الناس سطور , كتبت ...لكن ..بمااااااء ....."
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
رأيك ؟!
:)