الجمعة، 27 سبتمبر 2013

عن مصادرة الحلم

أن يدخل عليك طفل صغير بأصبع مجروح يطلب بعض الإسعافات الأولية البسيطة لإصابته أكثر من سبب محتمل: 
- ربما جرحه خيط طيارته الورقية الحاد اثناء لعبه بها مع بعض الرفاق
-ربما حاول اصلاح دراجته فساء الأمر 

-ربما لعب بسكين المطبخ اثناء انهماك والدته فى اعداد الطعام !

تغض النظر عن سبب الإصابة حاليا , وتمنح انتباهك لهيئة ذلك الصغير 
سمرة , يبدو جليا انها مكتسبة , ربما لقضائه فترة طويلة فى المصيف قبل بدء الدراسة 
ثياب غير مهندمة تفتقد معايير النظافة المقبولة - يبدو انك تتعامل مع معضلة كبيرة ها هنا ,ليس سهلا هذا الكائن !- 
يشرح لك طلبه : "عايز حاجة تخليه يخف بسرعة" 
فتسأل عن السبب ومدى سوء الوضع وتسأله الأذن فى معاينة موقع الألم , ليبدأ ألمك فى الدبيب ...
ترى المشهد من جديد : 
ثلاثة من الاجسام الصغيرة ذات خطوات حائرة ومرتبكة تدفع الباب , يتقدمهم أكبرهم سننا , سائلا عن شئ يخفف من ألمه , فقط يريد أن يرجع أصبعه معافا كما كان .

تتلقفه "شيماء" من لعثمته وارتباكه وخوفه وبعد محاولات لإقناعه انها هى "الدكتورة" كما يريد , يسمح لها برؤية جرحه , ويشرح لها القصة: 
"حصل "محمد" على هذا الجرح اثناء تصليحه لمروحة فى الورشة التى يعمل بها - نعم , لم أخطا النقل, هذه الحقيقة بكل قسوتها - وكل ما يريد شئ ما يجعلها "تخف بسرعة" 
نلقى نظرية على الجرح , ليظهر عمقه وخطورته وحاجته الواضحة لبعض الغرز الجراحية ..
يصرخ "محمد" مذعورا , فتهدأ "شيماء" من روعه وتأخذه لتغسل جرحه وتضع عليه بعض المضادات الحيوية وتحكم ربطه منعا لتلوثه - يبدو هذا كل ما نستطيع منحه اياه -

على الجانب الأخر كان يبدو الذعر على الصغيرين الاخرين فتدخلت "ياسمين" لإذابة جبل جليد كاد ان يسحق جسديهما اللهذيلين , 
أحمد وأدهم , ابنا عم "محمد" الذى يعمل فى ورشة لإصلاح الأجهزة الكهربائية , يبرع فى أصلاح "اللى انتى عايزاه " 
يذهبا إلى المدرسة بالصف التانى الابتدائى ,يريدان ان يلتحقا بالجيش عندما يكبران 
محمد بالصف الخامس الابتدائى يضطر إلي العمل لأن والده -معيلهم- بالسجن "ان يعرف طفلان فى عمر الزهور السجن كمكان أليف !!" 
تربكهما صرخات محمد وخوفه الظاهر , فيخرجا , ربما لا يريدان ان تهتز صورة الأخ الكبير وسندهم فى هذه الحياة برؤيته ضعيفا .
هناك ..
مازالت شيماء تعانى من أجل الابقاء على محمد ثابتا من اجل الانتهاء وضع المضادات الحيوية على جرحه 
"هو فى راجل بيخاف كده , امال عاملى فيها اسطى ازاى ,,مش هتوجعك والله ,...." 
يضحك "محمد" من ملمس الرذاذ البارد نسبيا ..ليعتصر قلبك خجلا.
يخرج محمد ليصطحب صغيراه ويختفى ثلاثتهم فى اللامكان.

 
على بعد خطوات من هذا المكان , ترى أطفال فى مثل عمر محمد وأحمد وأدهم فى نزهة اسبوعية مع أسرهم ,
او ربما فى مدينة الألعاب , تنجرح أصابعهم لتهورهم فى قيادة السيارة الكهربائية ,


ويبقى "محمد" , الصغير الذى اضحى رجل البيت قهرا , يصحى مع الفجر ويتعامل مع الشارع بقسوته , يبحث عن نفسه بين عناوين الصحافة ليجد : 

"حذر جماعة الاخوان ...."
"الشعب يستمر فى حربه على الإرهاب ,,,

"وليبقى من يتحدث عن الحقوق والحريات , وعمالة الاطفال التى يجب تقنينها ومنعها فى الدستور ..
وليقسم الجميع بأن يرعوا مصالح الشعب رعاية كاملة ...
وليغنى الجميع ويعزفون ويرقصون ويكيدون بعضهم بعضا ..


ويعاود" محمد" ألم أصبعه  من جديد ولا يجد فى معجم مصطلحاته الصغير معنى لكلمة "مستشفى , بيت , عائلة ,وطن  , حلم وحياة !
 

عندها فقط يتعلم أن يتعايش مع ألمه الأذلى فى صمت !
ونفقد نحن بما كسبت أيدينا القدرة على الحلم , ونكفر للابد بالأحلام .


هناك تعليق واحد:

رأيك ؟!
:)

رأيك مهم وربنا ..ايه رأيك ؟!