بعد يوم شاق تنسحب قبل نهايته معتذرا ..ارهاق واضح بعد يومين بلا نوم ..ترى ما سر حاجتنا الشديدة له ؟
ايعجز عقلنا على المواصلة ؟! ..ام تسأم روحنا القيود فتنتهزه فرصة للانطلاق والتلاقى هناك ..حيث لا شئ عادي !
اصبح هذا الجسد محترفا فى العبور وسط الزحام ..بين اشخاص والعديد من العرباات ...والضجيج الذى يكسبه ارهاقك قيمة مضاعفة ...
تحاول قتل الملل والتعب وتحويل تركيزك على شئ اخر ...كتاب ما ربما تراه قابعا بيدك ...تقّلب بين اوراقه كى تصل الى نقطة التوقف السابقة ...يجذبك سطر قد قرأته بالفعل الليلة الماضية ..وبقى معناه يتردد بداخلك ..
"انا الرجل المعطوب الذى ترك فى المعارك المنسية ذراعه ..وفى المدن المغلقة قلبه"
ويبدو انها تدابير القدر ..ففى هذا التوقيت كانت السيارة تمر بشارع القصر العينى ..امام مبنى الجامعة الامريكية ...تلك البقعة التى ترك فيها الكثيرون ارواحهم ..وعيونهم ...وبقت قلوبهم تنبض لتحمس من ينعمون بحرية القضبان ..فبسجنهم حرروا ارواحهم ..يملأك الفخر والاجلال ..ويردد قلبك ..:تحية لشهداء الوطن" ...
تبدل وسيلة نقلك باخرى لمسافة اطول ..وطريق اكثر ازدحاما ..يمر بعض الوقت حتى تجد لك محل متاح ..تنظر فى الساعة بلا توقف تريد العودة الى الكتاب ..كى تأسر ارهاقك ومللك المتزايد ...تتذكر فى هذه الاثناء آينشتين ونسبيته ..والزمن بتفسيره وهو الانتقال من نقطة الى اخرى ...فليست الثانية سوى انتقالة بين علامتين !
وليس اليوم سوى انتقال الارض ودورانها حول محور ما !
آينشتين يزيد من "وجع رأسى " الذى تعدى مرحلة الاحتمال ..واخيرا تصل حافلة فاصعد محتلة المقعد الاستراتيجى المفضل "بجوار النافذة " ...
تعلق من جديد فى "اشارة مرورية " ابحث عن كتابى من جديد ...انظر فى الساعة للاطمئنان ..وتتحرك الحافلة فاعود الى اينشتين من جديد "لا سبيل لادراك الحركة المطلقة " فانت لا تعلم انك تتحرك الا اذا قارنت حركتك بشئ ثابت .. وثابتى هنا هو النيل ..تمر به فيبعث اليك بشكوى لا تستطيع تحملها ..فتسرع سيارتك هربا!
تتذكر الحركة المطلقة ..وتعقب "انه لا سبيل ايضا لادراك الحقيقة المطلقة " !
ويتحرك الطريق تارة ويتوقف اخرى ..وانت تغالب ذلك النعاس الذى اصابك ..تتمنى ان تستسلم له عل ذلك الالم الرهيب يختفى لوهلة ...وتعود لتذكر نفسك بقرب محطتك التى طالما فوتها بسبب تلك العادة !
غصبا تستعيد ادراكك ... تراقب المساحات الخضراء الكبيرة على جانبى الطريق ... لا تستطيع العودة لكتابك لشدة الصداع ...تنتبه الى الصوت القادم من الامام ...بعد وصلة موسيقية ادخلت الجميع فى مزاج هادئ مسالم ...
"اغدا القاك ...يا خوف فؤادى من غد .. يا لشوقى واحتراقى فى انتظار الموعد " ....
انتظر غدا معها ...يوم القى لوطنى قائدا !
وصلت لمحطتى الثالثة والمؤدية اخيرا الى بيتنا ... مازال الازدحام شديدا ومازال صداعى يتزايد بقسوة ...لا استطيع الوقوف للانتظار !
تلمح عيناى الطريق الجانبى ...ذلك الذى يسلكه الناس مشيا ... كم اشتقت الى الرحلات التى جمعتنى بنفسى فى هذا الطريق !
صدر القرار ...اقرر التخلى عن الطريق السريع ومواصلاته ...واعتمد على قدماى هذه المرة ...والظروف مهيئة ..فهذه ساعة الغروب ...
امشى ...وحدى ...ومشهد الغروب خلفيتى ...فهل من مزيد ؟!
ترى ما سر هذا السحر الاخاذ عند التقاء الشمس بالنخيل مودعة ...ولما النخيل من دون باقى الاشجار !!
بماذا تهمس الشمس ..اهو وعد بلقاء جديد؟! ...وما سر ذلك التواضع الذى يحل بالنخيل ..فينحنى دون انحناء مودعا ..اآملا ...!
اعود الى طريقى ..فاراه خاليا محتفلا بلقائنا بعد طول بعد وجفاء ...!
اتذكر حلما طالما اردت تحقيقه ...تأخذنى ذاكرتى الفوتوغرافية الضعيفة الى مشهد البداية من رواية الرائعة "جاين اوستين"
Pride & Prejudice
طالما غبطت "ليزى" لدوخلها المشهد تمشى فى صباح باكر فى سهل اخضر وجدول صغير ..تحمل كتاب تقرأه ...
اليوم يوم تحقيق الامنيات ..فتحتت الكتاب على صفحة توقفى ويتدخل القدر من جديد !
"عيناك غابتا نخيل ساعة السحر ...او شرفتان راح ينأى عنهما القمر... "
يستشهد الكاتب بمطلع قصيدة ما ...ترى لما يلاحقنى النخيل ؟!
امسكت كتابى وخطوت خطوات حذرة اثناء قراءتى ..واستنشاقى لنسائم الغروب ...سرعان ما مرت بى طفلة صغيرة سمراء البشرة ذات ضحكة آسرة ..مشيت معى دون سابق انذار ..ورحبت اقتحامها خلوتى ...
وعند المنعطف ودعتنى "رانيا" ...وودعت سور مدرستى ...لم اتوقف كثيرا فقد عاودتنى فلسفة آينشتين فتلك الايام ما هى سوى "انتقالة مكانية" !
عدت الى كتابى كى اخطف بعض السطور قبل اطلالة المنازل المتلاحقة ...
وعدت ...امام الجسر الخشبى الصغير ... هناك يقبع بيتنا لم تغيره السنين ...وهنا كانت رحلتى التى اغتالتها الضجة من سنين .....
14-5-2012
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
رأيك ؟!
:)